لقد تمخضت نهاية الألفية الماضية فولدت حركة الذكاء العاطفي أو الذكاء الوجداني (Emotional Intelligence)، فمنذ ظهورها وحتى مطلع القرن الحالي 21 ومن حينها والباحثين في مجال علم النفس والسلوك وغيرهم يسعون لدراسة توسعية أكثر من عدة علوم لدراسة مفهوم (الذكاء العاطفي)؟؟ وبعد مرور 35 عاماً على بداية انطلاق المصطلح، دعونا نعرض أولاً عن بداية هذا العلم ومَنشئة حتى نُدرك أهمية تهافت كل الباحثين لدراسته، وإصدار الكتب والمنشورات والدراسات البحثية عنه.
ظهر مصطلح الذكاء الوجداني أو ما اشتهر به حالياً بالذكاء العاطفي بعد دراسات وبحوث دامت سنوت من قبل الباحثين المتفائلين، واكتسب المفهوم شعبية من خلال نشر دانيل جولمان (1995-1998) كتابة الأكثر شهرة والأكثر مبيعاً- الذكاء الوجداني. فمن أبرز الباحثين في هذا المجال هم ماير وزملاءه 1990، ودانيل جولمان 1995، وبار-ون وزملاءه لاحقاً، ظهر خلالهما رأيان مختلفان، فقد أشار بار-ون وزملاءه ودانيل جولمان إن الذكاء العاطفي شيء يرتبط بالنجاح في الحياة والذي لا يقاس باختبارات معامل الذكاء (IQ)، أما ماير وزملاؤه ففسروا الذكاء الوجداني هو القدرة على إدراك وفهم المعلومات الوجدانية (سعد، 2009).
ولقياس الذكاء الوجداني كقدرة معرفية، أعد ماير وزملاؤه سنة 1997 مقياس الذكاء الوجداني متعدد العوامل، ليلحقه بعد ذلك الكثير من الباحثين المهتمين بالذكاء العاطفي لتطوير المقياس أو وضع مقياس خاص بهم، هذا التدفق في اهتمام الباحثين والجمهور ع-لى حد سواء- بالذكاء الوجداني صحبة زيادة في عدد الكتب والمقالات عن هذا الموضوع وتنوع مقاييس الاختبار (سعد، 2009).
فقد عرّف ماير وزملاؤه الذكاء العاطفي هي القدرة على مراقبة وإدارة المشاعر، والتمييز بينهما لدى الفرد ولدى الآخرين، أما دانيل جولمان فقد عرفه من خلال كتابة الذكاء العاطفي بأنه القدرة على إدراك وفهم وإدارة المشاعر وجدانيات الفرد والآخرين، ودمج الدافعية وسمات الشخصية، أما الأخير بار-ون وزملاءه افترض ارتباطاً بين المعرفة الاجتماعية والوجدانية والمهارات وسمات عديدة للفرد تساعده على التكيف لبيئته. فجولمان ركز على نظرية الأداء (الكفاءات) أما ماير وزملاؤه ركزوا على القدرات، خلافاً ما بدأه ماير وزملاؤه بتعريف الذكاء العاطفي هو شكل من أشكال الذكاء الاجتماعي وينطوي على القدرة على مراقبة مشاعر ووجدانيات الفرد والآخرين، والتمييز بينهما، واستخدام هذه المعلومات لتوجيه تفكير الفرد وأفعاله. أما دانيل جولمان عرف الذكاء العاطفي بأنه قدرة مكتسبة تستند إلى الذكاء الوجداني التي ينتج عنه أداءً فائق في العمل، أما بار-ون وزملاءه فقط عرف الذكاء الوجداني بأنه نظام من القدرات الاجتماعية، والوجدانية، والشخصية تؤثر في القدرة العامة للفرد على المجابهة الفعالة مع المتطلبات والضغوط اليومية، بناءً على القدرة الرئيسية والمتمثلة في وعي الفرد بوجدانياته، وفهمها والتحكم فيها، والتعبير عنها بفعالية (سعد، 2009).
فأصبح اليوم تعلم الذكاء العاطفي إلزامياً لِما يضفي قوة ونجاح باستخدامه في العمل أو المحيط الأسري، ولم يُعد خياراً متاح، فبمزج الفكر والعاطفة معاً واستخدام التعلم في تنمية المهارات بأقصى صورة ممكنة هم الأفراد الذين يحققون أعظم النتائج، فشحذ الذكاء العاطفي للذين يعملون به، يمتلكون القدرة للمزيد على النجاح والازدهار، بينما يتخبط ويتعثر الآخرون (برادبيرى و جريفز، 2010).
فالذكاء العاطفي هو نتاج لمدى فهمك لذاتك والآخرين من حولك، وليس نتاج لقراءة الكتب والمقالات أو حتى يتذكر الحقائق والنصوص التحفيزية، ليعتبر إجراء تقييم الذكاء العاطفي المحور الفاصل والمرشد لك بين صورة الذكاء العاطفي الحالي والمهارات التي تُعد نقاط قوتك، وبين ما تحتاج إليه من مهارات عليك العمل عليها أكثر عن غيرها، فهذه النتائج هي نافذتك على مستوى ذكائك العاطفي الحالي (برادبيرى و جريفز، 2010).
إن الوجدانيات تلعب دوراً كبيراً في حياتنا اليومية، فمن الواضح أن هناك فروقاً فردية كبيرة في الطريقة التي يتعامل بها الناس مع مشاعرهم (سعد، 2009)، إن من تُسيطر عليهم عواطفهم الحادة، غالباً ما يزيدون شغف التحديات صعوبة وسوءاً، ولتطوير ذكائك العاطفي عليك بالتفكير في الشعور الذي ينتابك في الموقف وتقوم بعمل إيجابي اتجاهه حتى يصبح الطريق أكثر تمهيداً ومطوراً ويكتب ويحفظه الدماغ في اللاشعور أو في العقل اللاواعي، ليسهل حفظه ويصبح جزء من السلوك المستقبلي الحالي (برادبيرى و جريفز، 2010)، فتجاهل المشاعر أو الوقوع تحت رحمتها تأتي ببساطة لقلة الإدراك، ولتفعيل هذا علينا اللجوء إلى “السلوك الذكي” في مواجهة تحدياتنا.
نشر د. ترافس برادبيري وجين جريفر خلاصة ثلاث اكتشافات بعد دراسة نصف مليون مشارك في استبيان لقياس الدور الذي تقوم به العواطف في حياتنا اليومية، واستخلص منها حقائق بسيطة تمثل جوهر الذكاء العاطفي.
أولاً: إن ثلثي العينة لا تدرك عواطفها بدقة وقت الإحساس بها لضعف التَّمكن العاطفي وإدارة الذات، فيكون إما التعامل بسلبية لتجنب المشاكل أو مواجهتها بدرجة العنف والعدوانية.
ثانياً: يعتبر الجنس من حيث الذكر أو الأنثى تصنيفاً شائعاً لتصنيف العواطف، لما يضفي للأنثى طابع الجنس اللطيف والناعم وحِدَتها في المشاعر، وبالرغم من ذلك تفوقت الأنثى بـ 10 درجات على الذكر في مهارة إدارة العلاقات، ولا يوجد تفسير علمي بالموضوع، إلا أنه يعتقد الباحثين طبيعة بيئة تربية الأنثى في الصغر وتشجيعها لممارسة التعبير عن مشاعرها والتفاصيل الاجتماعية أعطاها هذا التميز، إضافة لتفوق الأنثى بأربع نقاط كمجموع كلي على الذكر في كلاً من مهارة إدارة الذات والوعي الاجتماعي وإدارة العلاقات.
ثالثاً: تحتل الدرجات الوظيفية للمدراء المتوسطين مكان الصدارة وتفوقهم لحصولهم على أعلى درجات النقاط في الذكاء العاطفي، فهم الأكثر نجاحاً وقدرة على أداء وظيفي مميز، أما المدراء التنفيذيين تقل قدرتهم في الذكاء العاطفي كلما ارتفعنا في السلم الوظيفي القيادي، وبشكل عام الرؤساء التنفيذيين أقل معدلات الذكاء العاطفي، ويعتقد الباحثان د. ترافس برادبيري وجين جريفر أن الكثير من القادة يتم ترقيتهم لأسباب أخرى وليس بسبب مهاراتهم في إدارة الآخرين (برادبيرى و جريفز، 2010).
نموذج الباحثين د. ترافس برادبيري وجين جريفر في مقياس تقييم الذكاء العاطفي واحد من النماذج لتهافت الباحثين لدراسة مفهوم الذكاء العاطفي، فماذا عن المقاييس لأبرز ثلاثة باحثين تم ذكرهم أنفاً، حسناً ظهرت لنماذج جولمان أكثر تماسكاً من نماذج ماير وزملائه للقدرة، لبناء جولمان بحثه وفقاً للكفاءات التي أضافت عوامل الارتباط بقطاع الأعمال مثل فريق العمل والوعي المنظمات أفضل المقاييس (سعد، 2009).
المراجع:
برادبيرى. ترافيس و جريفز. جين، 2010، الكتاب السريع للذكاء العاطفي، الطبعة الأولى، مكتبة جرير، المملكة العربية السعودية، الرياض.
سعد. مراد علي عيسى، 2009، الذكاء الوجداني من منظوري علم النفس التربوي وعلم النفس الإيجابي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع، جمهورية مصر العربية، القاهرة.
Social Chat is free, download and try it now here!